سورة الغاشية - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الغاشية)


        


قال بعض المفسرين: {هل} بمعنى قد، وقال الحذاق: هي على بابها توقيف، فائدته تحريك نفس السامع إلى تلقي الخبر، وقيل المعنى هل كان هذا من علمك لولا ما علمناك، ففي هذا التأويل تعديد النعمة. و{الغاشية} القيامة لأنها تغشى العالم كله بهولها وتغييرها لبنيته، قاله سفيان وجمهور من المتأولين، وقال ابن جبير ومحمد بن كعب: {الغاشية} النار، وقد قال تعالى: {وتغشى وجوههم النار} [إبراهيم: 50]، وقال: {ومن فوقهم غواش} [الأعراف: 41] فهي تغشى سكانها والقول الأول يؤيده قوله تعالى: {وجوه يومئذ}، والوجوه الخاشعة، وجوه الكفار وخشوعها ذلها وتغيرها بالعذاب، واختلف الناس في قوله تعالى: {عاملة ناصبة} فيها والنصب، التعب، لأنها تكبرت عن العمل لله في الدنيا فأعملها في الآخرة في ناره، وقال عكرمة والسدي: المعنى: {عاملة} في الدنيا {ناصبة} يوم القيامة، فالعمل على هذا هو مساعي الدنيا، وقال ابن عباس وزيد بن أسلم وابن جبير: المعنى: هي {عاملة} في الدنيا {ناصبة} فيها لأنها على غير هدى، فلا ثمرة لعملها إلا النصب وخاتمته النار. قالوا: والآية في القسيسين وعبدة الأوثان وكل مجتهد في كفر، وقد ذهب هذا المذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تأويل الآية، وبكى رحمة لراهب نصراني رآه مجتهداً، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر القدرية فبكى، وقال إن فيهم المجتهد، وقرأ ابن كثير في رواية شبل وابن محيصن: {عاملةً ناصبةً} بالنصب على الذم، والناصب فعل مضمر تقديره أذم أو أغني ونحو هذا، وقرأ الستة وحفص عن عاصم والأعرج وطلحة وأبو جعفر والحسن: {تَصْلى} بفتح التاء وسكون الصاد على بناء الفعل للفاعل، أي الوجوه، وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو عمرو بخلاف عنه وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن وابن محيصن، واختلف عن نافع وعن الأعرج {تُصْلى} تضم التاء وسكون الصاد، وذلك يحتمل أن يكون من صليته النار على معنى أصليته، فيكون كتضرب، ويحتمل أن يكون من أصليت، فتكون كتكرم، وقرأ بعض الناس: {تُصَلّى} بضم التاء وفتح الصاد وشد اللام على التعدية بالتضعيف، حكاها أبو عمرو بن العلاء، والحامية، المتوقدة المتوهجة، والآنية: التي قد انتهى حرها كما قال تعالى: {وبين حميم آن} [الرحمن: 44]، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، وقال ابن زيد: معنى {آنية}: حاضرة لهم من قولك آن الشيء إذا حضر، واختلف الناس في الضريع، فقال الحسن وجماعة من المفسرين: هو الزقوم، لأن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أن الكفار لا طعام لهم {إلا من ضريع}، وقد أخبر أن الزقوم طعام الأثيم، فذلك يقتضي أن الضريع الزقوم، وقاله سعيد بن جبير الضريع: الحجارة، وقال مجاهد وابن عباس وقتادة وعكرمة: الضريع شبرق النار، وقال أبو حنيفة: الضريع الشبرق وهو مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه شحماً ولا لحماً، ومنه قول أبي عيزارة الهذلي: [الطويل]
وحبسْنَ في هزم الضريع فكلها *** جرباء دامية اليدين حرود
وقال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى *** وعاد ضريعاً بان منه الخائض
وقيل الضريع: العشرق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الضريع»: شوك في النار، وقال بعض اللغويين: الضريع يبيس العرفج إذا تحطم، وقال آخرون: هو رطب العرفج، وقال الزجاج: هو نبت كالعوسج، وقال بعض المفسرين: الضريع نبت في البحر أخضر منتن مجوف مستطيل له بورقية كثيرة، وقال ابن عباس: الضريع: شجر من نار، وكل من ذكر شيئاً مما ذكرناه فإنما يعني أن ذلك من نار ولا بد، وكل ما في النار فهو نار. وقال قوم: {ضريع} واد في جهنم، وقال جماعة من المتأولين: الضريع طعام أهل النار ولم يرد أن يخصص شيئاً مما ذكرنا، وقال بعض اللغويين: وهذا لا تعرفه العرب، وقيل: الضريع: الجلدة التي على العظم تحت اللحم، ولا أعرف من تأول الآية بهذا، وأهل هذه الأقاويل يقولون الزقوم لطائفة، والضريع لطائفة والغسلين لطائفة، واختلف في المعنى الذي سمي ضريعاً فقيل هو ضريع بمعنى مضرع أي مضعف للبدن مهزل، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد جعفر بن أبي طالب: «ما لي أراهما ضارعين»؟ يريد هزيلين، ومن فعيل بمعنى مفعل قول عمرو بن معد يكرب: [الوافر] _@_
أمن ريحانة الداعي السميع *** يؤرقني وأصحابي هجوم
يريد السمع، وقيل {ضريع} فعيل من المضارعة، أي الاشتباه لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به. ولما ذكر تعالى وجوه أهل النار، عقب ذلك بذكره وجوه أهل الجنة ليبين الفرق، وقوله تعالى: {لسعيها} يريد لعملها في الدنيا وطاعتها، والمعنى لثواب سعيها والتنعيم عليه، ووصف الجنة بالعلو وذلك يصح من جهة المسافة والمكان ومن جهة المكانة والمنزلة أيضاً، وقرأ نافع وحده وابن كثير وأبو عمرو بخلاف عنهما والأعرج وأهل مكة والمدينة {لا تسمع فيها لاغية} أي ذات لغو، فهي على النسب، وفسره بعضهم على معنى لا تسمع فيها فئة أو جماعة لاغية ناطقة بسوء. قال أبو عبيدة: {لاغية}؛ مصدر كالعاقبة والخائنة، وقرأ الجحدري {لا تُسمع} بضم التاء، {لاغيةً} بالنصب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {لا يُسمع} بالياء من تحت مضمومة {لاغيةٌ} بالرفع، وهي قراءة ابن محيصن وعيسى والجحدري أيضاً.


{عين} في هذه الآية اسم جنس، ويحتمل أن تكون عيناً مخصوصة ذكرت على جهة التشريف لها. ورفع السرر أشرف لها، والأكواب أوان كالأباريق لا عرى لها ولا آذان ولا خراطيم، وشكلها عند العرب معروف. و{موضوعة} معناه بأشربتها معدة والنمرقة الوسادة، ويقال نمرقة بكسر النون والراء وقال زهير: [الطويل]
كهولاً وشباناً حساناً وجوههم *** على سُررِ مصفوفةٍ ونمارق
و الزرابي واحدتها زريبة، ويقال بفتح الزاي وهي كالطنافس لها خمل، قاله الفراء وهي ملونات، و{مبثوثة} معناه كثيرة متفرقة، ثم أقام تعالى الحجة على منكري قدرته على بعث الأجساد بأن وقفهم على موضع العبرة في مخلوقاته، و{الإبل} في هذه الآية هي الجمال المعروفة، هذا قول جمهور المتأولين، وفي الجمل آيات وعبر لمن تأمل ليس في الحيوان ما يقوم من البروك بحمله سواه وهو على قوته غاية في الانقياد. قال الثعلبي في بعض التفاسير: إن فأرة جرت بزمام ناقة فتبعتها حتى دخلت الحجر فبركت الناقة وأذنت رأسها من فم الحجر، وكان سريح القاضي يقول لأصحابة: اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت، وقال أبو العباس المبرد {الإبل} هنا السحاب، لأن العرب قد تسميها بذلك إذ تأتيها أرسالاً كالإبل وتزجى كما تزجى الإبل في هيئتها أحياناً تشبه الإبل والنعام، ومنه قول الشاعر: [المتقارب]
كأن السحاب دوين السما *** نعام تعلق بالأرجلِ
وقرأ أبو عمر بخلاف وعيسى {الإبلّ} بشد اللام وهي السحاب فيما ذكر قوم من اللغويين والنقاش وقرأ الجمهور {خُلقَت} بفتح القاف وضم الخاء، وقرأ علي بن أبي طالب {خَلقْت} بفتح الخاء وسكون القاف على فعل التكلم، وكذلك رفعت ونصبت {وسطحت} وقرأ أبو حيوة {رفّعت} و{نصّبت} و{سطّحت} بالتشديد فيها، و{نصبت} معناه: أثبتت قائمة في الهواء لا تنتطح، وقرأ الجمهور {سطِحت} وقرأ هارون الرشيد {سطّحت} بشد الطاء على المبالغة، وهي قراءة الحسن، وظاهر هذه الآية أن الأرض سطح لها كرة، وهو الذي عليه أهل العلم، والقول بكريتها وإن كان لا ينقص ركناً من أركان الشرع، فهو قول لا يثبته علماء الشرع، ثم أمر تعالى نبيه بالتذكير بهذه الآية ونحوها، ثم نفى أن يكون مصطيراً على الناس، أي قاهراً جاهداً مع تكبر تسلطاً عليهم، يقال تسيطر علينا فلان، وقرأ بعض الناس {بمسيطر} بالسين وبعضهم بالصاد، وقد تقدم وقرأ هارون {بمصيطَر} بفتح الطاء وهي لغة تميم وليس في كلام العرب على هذا البناء غير مسيطر ومبيطر ومبيقر ومهيمن، وقوله تعالى: {إلا من تولى وكفر} قال بعض المتأولين الاستثناء متصل والمعنى {إلا من تولى} فإنك مصيطر عليه فالآية على هذا لا نسخ فيها وقال آخرون منهم، الاستثناء منفصل، والمعنى {لست عليهم بمصيطر} وتم الكلام، وهي آية موادعة منسوخة بالسيف ثم قال: {إلا من تولى وكفر فيعذبه الله}، وهذا هو القول الصحيح لأن السورة مكية، والقتال إنما نزل بالمدينة، و{من} بمعنى الذي.